Categories: Uncategorized

الفصل الخامس – التقييم العميق

 من أجل الوصول إلى المعنى الأعمق لحياتك ، وإلى الهدف الأسمى من وجودها ، فلا بد من وجود تقييم عميق ، ولا بد لهذا التقييم من أن يكون مستمراً ، و مستداماً . وهو بشكل أساسي عبارة عن تقييم يتعلق بالعلاقات . إلا أنه تم استخدام كلمة ” العلاقة ” هنا بمعناها الأكثر شمولاً و اكتمالاً مع كل ما ترتبط به ليشكل تلك العلاقة . مثل ممتلكاتك ، ومنزلك ، وعملك ، والعالم نفسه ، و التغيير الذي يحدث في العالم ، والأمة التي تعيش فيها ، وأشياء أخرى كثيرة أيضاً – لأنها كلها تُشكل علاقات.

تعتبر هذه وسيلة مهمة جداً للنظر و البحث في مشاركتكم في العالم ، لأنها ستتيح لك طريقاً واضحاً جداً لاتباع وتمييز ما هو قيّم ، وما هو ليس كذلك ، ما هو مفيد ، وما هو عائق ، وما الذي ستحتاجه في المستقبل ، وما الذي سيعيق تقدمك . وهكذا ، فإن علاقاتك ليست مع الناس فقط ، وإنما مع الأماكن ، والأشياء ، والأحداث ، والدول ، ومع العالم بالكامل.

لا يفكر الناس في كثير من الأحيان في بعض الأشياء التي تقع في سياق العلاقات ، و لربما يكون ذلك وسيلة جديدة للنظر والبحث في العالم من حولك. لأن قيمتها تكمن في أنها تتيح لك تمّيّزاً واضحاً للغاية ، وما تقوم به العلاقات في منطقة ما ، يمكن أن يُترجم إلى باقي المناطق كذلك . فإذا كانت لديك علاقة مؤذية مع العمل ، على سبيل المثال ، فإنها ستولد العديد من الصعوبات و المقاومة في حياتك و لتصبح علاقة صعبة مع شخص ما . وإذا كنت تعاني من علاقة صعبة بمنزلك ، فإنها ستعيق تقدمك ، و ستحدّ من إمكانياتك . 

أنه لديك علاقة مع المستقبل ، وهذا صحيح لأنك أرسلت إلى هذا العالم لخدمة العالم في بداية فترة التغيير العظيم . لديك علاقة مع المستقبل . كما لديك علاقة مع الماضي ، أو مع تقييمك للماضي لنكون أكثر دقة.

 ستكون حالة حياتك بشكل عام ، بعد ذلك ، قد شكلت حالة من كل تلك العلاقات ، ولن يكون لديك علاقات محايدة . ولذلك ، فإن كل علاقة من تلك العلاقات ، إما أن تساعدك أو أن تعيق تقدمك ، و تحدّ من إمكانياتك ، بل وقد تعيدك إلى الخلف .وعند ذاك فإما أن تكسبك قوة ، أو أنك ستفقد تلك القوة في كل علاقة من تلك العلاقات . ومما لا شك فيه ، أن هناك ثمة علاقات قد تكون أكثر أهمية وفعالية من غيرها ، ولكنها جميعاً لها تأثير على حياتك . 

وبالتالي ، فإن التقييم العميق هو في الحقيقة تقييم ما تعطي حياتك له ، وما تقوم بتحديده في حياتك أن يكون المؤثر الأقوى لها، حيث أن كل علاقة تُمثل تأثيراً . إن قوة التأثير في العلاقات مهمة جداً ، ولكن معظم الناس ليسوا على بيّنة من ذلك ، أو على نتائجها . ومما لا شك فيه بالنسبة إليك ، هو أنه يمكنك أن تدرك بأن الشخص الذي اقترنت به كزوج سيكون له تأثير عظيم عليك ، وربما التأثير الأعظم على حياتك . ولكن الناس نادراً ما يعتقدون أثناء فترة الاقتران بالزواج أو الشراكة ، من أنه سيكون للشريك ذلك التأثير العظيم على حياتهم . وهكذا ، فإذا ما تمت إضافة هذا المعيار في تقييم الشخص الآخر في علاقتهما ، واحتمالات التوحد والشراكة مع شخص آخر ، فربما ستكون النتيجة مختلفة تماماً عما تراه في العالم اليوم .

الشئ الذي يجب إعارة الانتباه إليه ، فهو أن كل هذه العلاقات يُمثل تأثيراً ، وكلها تؤثر بك ، وأنت بدورك تؤثر بها جميعاً . وهكذا ، فأنت تمتلك قوة في هذا العالم ضمن هذا المعنى ، في حين أن العالم أيضاً لديه قوة عليك . ولذلك ، فإن القوة تتحرك في كلا الاتجاهين . وهذه القوة تمنحك قوة اتخاذ القرار ، والذي يمكن أن يُنفذ على المزيد من الظروف التي تعيها حتى الآن . لذا ، فإن قوة اتخاذ القرار تعتبر أمراً أساسياً لنجاحك ، و لمستقبلك في العالم التي سيتأثر بأمواج التغيير العظيمة – بسبب الدمار البيئي ، وتراجع الموارد الأساسية ، والتغير المناخي في العالم ، وزيادة مستويات عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي الغير مسبوقة ، والأخطار العظيمة للحروب ، والصراعات التي سوف تنتج . 

القرارات التي تُعتبر قرارات مهمة ، هي تلك التي تأخذها الآن ، لكي يتسني لك الوقت للتحضير والاستعداد لأمواج التغيير العظيمة . ولكن الوقت هنا هو جوهر المسألة . ولن يكون لديك قدر كبير من ذلك الوقت ، لأن أمواج التغيير العظيمة قد بدأت بالفعل بالتأثير على العالم . لكن هنا ، تقف مع جميع علاقاتك و كل تأثيرها عليك.

يبدأ التقييم العظيم عندما تحدد معرفة أين أنت الآن ، وكيف تقضي وقتك ، و طاقاتك ، وتركيزك ، واهتماماتك . وحياتك التي وهبت لك ؟ وما الذي فعلته وركزت على فعله ؟ وماذا حققت من مهمات ؟ لا يزال لديك الكثير من الطاقة اليوم ، والكثير من الوقت ، والكثير من المساحة داخل عقلك لكي تتمعن في كل تلك الأمور . لكل علاقة قوة تأثير ، وهي قوة بالغة الأثر . فإلى أين يذهب كل ذلك الآن ؟ وماذا تفعل أنت ؟ ومع من أنت ؟ ما هي أولوياتك ؟ أين يمكنك الحصول على الطاقة في حياتك ، وأين تخسرها ؟ ومن أجل من أنت تخسر حياتك ، ولأجل أي شيء ؟ أين تشعر باليقين ، وأين تشعر بعدم اليقين ؟ ما هو نوع علاقاتك الآن ، والتي تعطيك شعوراً باليقين ومعرفة الاتجاه ؟ وما هي العلاقات التي تخيم على هذا اليقين أو تقوم بتعطيله تماماً ؟ 

وكما ترون ، فهناك العديد من الأسئلة ، وهناك المزيد والمزيد منها ، وهذا هو السبب في أن هذا التقييم العميق يستغرق بعض الوقت . إنه أمر لا يمكن أن تفعله في ساعة كعملية ما ، أو كتمرين . كما أنه ليس وقتاً تفكر في أن تمضيه في عطلة نهاية الأسبوع . ولكنه في المقابل ، هو شيء يجب أن تمنحه نفسك كأحد أهم الأولويات الرئيسة في حياتك ، ولا سيما في هذا الوقت بالذات . ولذا ، ينبغي أن يكون هذا التركيز الرئيسي هو الأهم بالنسبة إليك ، لأنك إذا كنت لا تضع تركيزك وفق هذه الطريقة ، وإذا كنت لم تكتسب فطنة أكبر ، وبصيرة أقوى ، بالإضافة إلى حسن التمييز ، فإنك لن تعرف ما يجب القيام به في عالم اليوم ، أو غداً . ولذلك ، فحين تأتي أمواج التغيير العظيمة ، فإن شكوكك ، وعدم اليقين ، والضعف ستزداد بشكل كبير . 

لذلك ، يجب أن تبدأ في مكان ما ، ومن حيث أنت ، وليس مع ما تريد ، أو ما تعتقد ، أو ما كنت تعتقد أنه سيحدث بعد ذلك ، أو مع أهدافك ، أو طموحاتك ، أو أحلامك . فأين أنت الآن ؟ القرارات المهمة ، هي القرارات التي تتخذها الآن . ومع من أنت ؟ وماذا تفعل معهم ؟ وماذا تمتلك لذلك ، وهل يمنحك ما تفعله القوة ، أو أنه يسلبك القوة ويرميها بعيداً عنك ؟ بماذا تؤمن ؟ وهل تمنحك معتقداتك الوضوح المطلوب ؟ أم هي بدائل للروح بحد ذاتها ؟ أين تُمضي وقتك ؟ وإلى أين يذهب عقلك ؟ وإذا كنت تجلس جلسة تأمل ، فيما يتعلق عقلك ؟ وما هي المشاكل التي يحلها ؟ 

من الواضح أن هذه مهمة كبيرة جداً ومربكة ، لأنها تتطلب منك أن تكون فاعلاً وحياتك واضحة الأهداف . كما أن الموضوعية هنا ذات أهمية مركزية . لا تكن متأثراً أمام فكرة أنه يجب أن تكون مُحبّاً و رقيقاً و شفوقاً كبديل عن حالة الخوف ، هذا هو التفكير السطحي ، هذا التفكير لا يُمثل صفاء الذهن ، أو اليقين الحقيقي على الإطلاق . لا تسقط في فخ الانقسام بين أن تكون مُحبّاً ، وبين أن تكون خائفاً . لأن الهدف هنا هو أن ترى بوضوح الانقسام الحقيقي هنا هو ما إذا كانت لديك الحكمة أم لا ، وسواء كنت مسؤولاً أم لا ، و فيما إذا كنت تستعد للمستقبل أم لا ، وسواء كنت ترى ما هو أت في أفق حياتك أم لا . 

عليك أن تبدأ بالأشياء البسيطة . ومن ثم قم بمراجعة كل ما لديك ، حتى أتفه الأشياء التي لديها أية قيمة من نوع ما ، أو التي تُمثل أي تأثير خفي – مهما كان صغيراً – عليك . فإذا كانت حياتك مليئة بالأشياء التي ليست ذات فائدة أو هدف ، فهي إنما تستنزف وقتك وطاقتك لدرجة معينة . إلا أنك لا تزال تمتلكها ، وهكذا فإنك لا تزال على علاقة بها . فهي تحتل مساحة في منزلك ، وفي عقلك . إن كل ما لديك حقاً هو إما الاحتياجات العملية بشكل أساسي وضروري ، أو تلك الاحتياجات الشخصية ذات المعني ، والتي تعنيك للغاية ، وهذا المعنى يجب أن يأتي بطريقة تدعم من أنت الآن ، وإلى أين تشعر بأنك تتجه في الحياة .

 الأشياء التي تُمثل ذكريات قديمة بالنسبة إليك لها تأثير أيضاً ، فهي تسحبك إلى الوراء ، في الوقت الذي يجب أن تكون فيه – في الواقع – تواجه المستقبل ، وتتعلم كيف تعيش في الوقت الحاضر بشكل تام . ولذلك ، فأنه من الأسهل التخلي عن الأشياء المادية ، عوضاً عن التخلي عن الأشخاص ، أو الأمان . ولذا ، فهذا هو مكان مناسب للبدء . تُعتبر هذه العملية إحدى عمليات الفرز الخارجي ، وهي تجلب موضوعية أكبر لحياتك ؛ حيث تنظر إلى كل ما حُزت عليه ، وكان لديك ، متسائلاً : ” هل سيكون هذا مفيد حقاً بالنسبة إلي ؟ وهل يعني الي ذلك شخصياً ؟ وهل يعزّز ذلك الوعي لدي ، و يقويني لأفهم ذاتي ؟ ”

 سوف تجد بأن حياتك مشوشة ، وبأن الأمور تُثقل كاهلك و تُغرقك إلى الأسفل ، وأن هناك الكثير من الأشياء القديمة في حياتك التي قد تكون نسيتها ولم تعد تفكر فيها . ولكنها ، في الواقع ، لا تزال ذات تأثير عليك ، ولكن حين تتخلى عنها ، وتسمح لها بالرحيل عنك ، فإنك ستشعر بأنك قد أصبحت أخف وزناً ، وأفضل حالاً . ومع مرور الوقت ، فإن عقلك سيصبح أكثر وضوحا . وهذا هو المكان الجيد للبدء . إنها ليست مسألة تحدّ صعبة للغاية ، ولكنها خطوة البداية من أجل تطوير التميز – التميز في العلاقات وفي كل شيء تفعله ، وفي كل ما لديك ، وكل ما ترتبط به و يمُثل علاقاتك ؛ حيث أن لكل هذه العلاقات تأثيراً عليك ، وعلى وعيك ، وقراراتك ، وعلى الاتجاه الذي تعلم جيداً بأنك ستتبعه .

عليك أن تبدأ بتنقية حياتك ، من أجل تبسيطها ، لأنك لست بحاجة إلى حمل الكثير من الأمتعة الإضافية في المستقبل ، ذلك لأن المستقبل لن يكون مؤكدا في وجه أمواج التغيير العظيمة . ولذا ، فإنك تريد أن تكون مرناً ، و قادراً على التحرك بسهولة ، ولا تريد أن تكون مرهوناً و مُثقلاً بالكثير من الأشياء التي تملكها . وهنا يجب أن تكون صادقاً جداً مع نفسك حول ما كنت تملك ، وما لا تملك ، وحول ما هو ذات معنى ، وما هو غير ذات معنى كذلك .

 ثمة أمل على صعيد مستوى الروح ، لأن الأمر واضح جداً . وهو إما أن يكون ” نعم ” أو ” لا ” أو في بعض الحالات ، سوف يكون هناك حياد . أما بشأن الأشياء التي تمتلكها ، والتي بين يديك ، وأنت مسؤول عنها ، فسوف تجد عموماً بأنه سيكون هناك خيار ” نعم ” أو ” لا ” في أعماق نفسك . وهذا سيجعل اتخاذ القرار بالنسبة إليك أمراً سهلاً جداً ، طالما أنك تتصرف بناء على ذلك ، وتخلص من تلك الأشياء -التي لم تعد تحتاجها ، أو التي لا ينبغي امتلاكها أكثر من ذلك – بعيداً عنك مهما تطلبت الحالة ذلك . إنه تمرين ثمين ، وذا قيمة عالية بالنسبة إليك ، لأنك بحاجة إلى تحرير وقتك وطاقتك لمزيد من الأشياء . وهنا ، فإنك قد بدأت مع أبسط الأشياء ، وأبسط العلاقات ، لأنه ستكون أمامك تحديات أكبر لمواجهتها كلما مضيت قُدُماً . 

ستكون بحاجة إلى كمية هائلة من الطاقة في المستقبل ، ولذا فعليك أن تجمع جميع الموارد الخاصة بك معاً . يجب عليك جمع قوتك ، وبناء تركيزك . فإذا كنت قد أمضيت وقتك وحياتك في غفلة منك ، وتشتت جهودك في كل الاتجاهات ودونما ضبط أو تركيز ، فلن تكون قادراً على القيام بذلك ، لأن القوة هنا مثل التركيز . وإذا لم تكن حياتك محط تركيز ، أو مركزة ، فإن طاقتك ستتبعثر في العديد من الأماكن المختلفة . ولذا ، عليك الآن أن تسد الثغرات . كما عليك الآن استعادة ما كان ضائعاً و مبعثراً . عليك الآن أن تستجمع كل قوتك ، لأنك سوف تحتاج إليها للأوقات الصعبة المقبلة ، وستحتاج إليها من أجل التغلب على التأثيرات الأخرى في حياتك ، والتي كانت تثنيك عن القيام بما يتوجب عليك أن تفعله ، بل و كانت تدفعك إلى الخلف ، و تعيق طريقك كي لا تقوم بذلك ، كما ستحتاجها حتى تستطيع أن تجتاز التأثيرات الأخرى في حياتك ، والتي تعرقل خطواتك ، و تشدّك إلى الخلف أيضاً ، بل و تمنعك من القيام بما تعرف حق اليقين ، وبما يتوجب عليك القيام به ، و تمنعك من إن تبصر الاتجاه الأعظم الذي تحاول الروح في داخلك أن تقدمه لك وأنت تسير قُدُماً إلى الأمام . 

يستمر هذا التقييم العميق إلى مزيد من الأشياء : كعملك ، و علاقاتك ، و علاقتك مع جسمك ، و مع عقلك . و هنا يصبح الأمر أكثر صعوبة في تحقيق الموضوعية لأنك تعرف نفسك بشكل كبير بهذه الأشياء، عندما تعرف نفسك بشئ يجعلك تفقد موضوعيتك اتجاهه.  لأجل مراجعة عملك ، ومراجعة علاقاتك ومراجعة علاقتك مع عقلك وجسمك ، والتي تُمثل العلاقة مع نفسك ، وهو ما يتطلب موضوعية كبيرة جداً . ولكن على مستوى الروح ، فإن الجواب هو الأساسي .

 ففي علاقاتك ، على سبيل المثال ، يجب عليك مراجعة كل علاقة من تلك العلاقات لمعرفة ما إذا كانت تلك العلاقة ستساعدك ، أو أنها ستعيق تقدمك ، وإذا كان الأشخاص الذين تتعامل معهم يتقدمون في الحياة أم لا . في بعض الظروف ، وفي عملك الوظيفي على سبيل المثال ، فإنك قد تضطر للعمل مع الناس بغض النظر عمّن يكونون ، و لكن كيفية تعاملك معهم ، و انخراطك بينهم سوف يُحدث فرقاً كبيراً في الوقع الذي يحدثونه في حياتك .

 أما العلاقات التي اخترتها و انتقيتها لنفسك ، فعليك أن تقوم بتقييم كل علاقة منها على حدة متسائلاً : ” هل تقوّيني هذه العلاقة ، أو تُضعفني ؟ هل يتحرك هذا الشخص في الاتجاه الذي يجب أن أتحرك أنا فيه ؟ هل يربطنا مصير واحد معاً ، أو أنني ينبغي أن أطلق سراح هذا الشخص وأتخلى عنه ليكمل رحلته الخاصة في الحياة ؟ “ 

تعتبر هذه من الأسئلة الهامة ، ولا بد لك من الحصول على القوة ، والشجاعة ، والموضوعية لكي تسأل هذه الأسئلة ، وأن تتصرف وفقاً لذلك . فثمة وجود شخص واحد في حياتك قد يعيق طريقك بالكامل ، وقد يغير مصير ومسار حياتك . ولذلك ، يجب ألا نقلل من قوة التأثير في علاقاتك ، حتى لو كانت عبارة عن علاقة صداقة عادية ، لأن هذه الصداقة إما أن تساعدك ، أو تعيق طريقك في المضي قُدُماً . وهكذا ، فحالما تبدأ في اتخاذ خطواتك في المضي قدماً ، فإنك سوف تدرك قريباً جداً فيما إذا كانت هذه الصداقة ستساعدك ، أو ستعيق طريقك ، و فيما إذا كان ذلك الصديق – الشخص الآخر – يشكك فيك وفي قدراتك ، أو يستخف بك و يستصغر إمكانياتك ، ومن تكون ، ويقلل من قيمة جهودك في التركيز على حياتك ، وإعداد نفسك للمستقبل .

 أنت تحتاج إلى رفاق أقوياء ، ولا يجب عليك أن ترافق من يقللون من شأنك ويحطون من قدرك في حياتك . يمكنك أن تتعلم من التحديات التي تواجههم،  و تستخلص العبر والنتائج من تحدياتهم تلك ، ولكن إذا تعاملت مع أولئك الأشخاص المحبطين عن كثب ، فإنك سوف تفقد ثباتك لهم. 

 هنا تطوير القوة ، والتمييز ، سيستغرق وقتاً ، و يمكن أن يكون صعباً للغاية في ظروف معينة ، لكونك تعتقد بوجود أشخاص عليك أن تحصل على موافقتهم لكي تقوم بما يجب أن تقوم به . هناك أشخاص لا تزال تحاول إقناعهم . هناك أشخاص كنت تعتقد بأنك تحتاجهم من أجل سلامتك ، و الأمان في حياتك ، من أجل الحب أو حتى من أجل المتعة . ولكن على مستوى الروح ، فإن الأمر واضح وبسيط ، وهو أن تقرر ” بنعم ” أو ” لا ” ، لأن الروح تحاول أن تأخذك إلى مكان ما ، في حين أن الجميع من حولك ، بالإضافة إلى كل الأشياء التي تحيط بك ، فإما أن تساعدك ، أو أن تعيق طريقك في اكتشاف وتتبع هذا الاتجاه .

 وكما هو الحال بالنسبة إلى عملك الوظيفي ، هل له مستقبل أم لا في مواجهة أمواج التغيير العظيمة ، وهذا أمر يمكنك تقييمه فكرياً . ولكن في مستوى الروح ، فإنه لا يزال هناك جواب واحد وواضح ، وهو إما ” نعم ” أو ” لا ” . فربما ستحتاج إلى البقاء في هذا العمل  الفترة من الزمن ، كي يعطيك الاستقرار أثناء اتخاذ قرارات أخرى ، وبينما تكتسب مزيداً من اليقين حول المكان الذي يجب أن تذهب إليه ، والخطوات القادمة التي يجب أن تتبعها في حياتك . ولكن إياك أن تربط نفسك إلى وضع لا مستقبل له ، وضع يسلبك الإرادة ، ولن يكون لها وجود حين تأتي الصعوبات العظيمة .

 ولا تربط نفسك إلى أي شخص ، أو أي شيء حتى تُنجز هذا التقييم العميق . ولا تقم بأي خطط كبيرة ، ولا تحاول إعادة جدولة مجرى حياتك . لا تلزم نفسك بالزواج ، أو إقامة علاقة ، حتى تُنهي هذا التقييم العميق مع مرور الوقت . 

لا تعطي لحياتك طريقاً قبل أن تعرف ما هو المغزى من حياتك ، ومن أجل ماذا وجدت ، وما هو الاتجاه الذي يجب أن تتبعه . فإذا اتبعت هذا ، فإنه سينقذك . من السهل عليك أن تقدم حياتك للآخرين – كأن تُلزم نفسك بنوع من العمل ، أو لتأسيس مجموعة من الظروف التي من شأنها أن تمنعك على الإطلاق  من تذكر وإدراك وتحقيق الهدف الأكبر الذي جئت من أجله إلى هذا العالم .

إن الناس يقيمون فيما بينهم علاقات عادية ، وعرضية ، مستخدمين في ذلك معايير ضعيفة ومؤقتة . كما أنهم لا يدركون مدى الخطورة التي تنطوي عليها تلك الالتزامات ، ولا التأثير الذي تحتويه ، وذلك لأنهم يفتقرون إلى التمييز . ولأنهم لا يقدرون قيمة حياتهم ، بحيث يبعدون أنفسهم بسهولة ، و يلزمون أوقاتهم و طاقاتهم من دون أي اكتراث ، بحيث أصبحوا مهملين لأنفسهم ، ولأبعد حد .

إن هذا يعتبر جزءاً بالغ الأهمية فيما يتعلق بالتقييم العميق . وقد لا يمكنك أن تتبع عقلك في هذا ، لأنه هناك دائما العديد من الأسباب والأعذار الجيدة في أن تمنح نفسك للأشياء التي لن تكون ذات قيمة بالنسبة إليك . وهناك دائماً أسباب مقنعة لإعطاء حياتك للناس ، أو للظروف التي لا تُمثل مصيرك. 

هناك أيضاً قوى اجتماعية تشجعك على الزواج وحتى قبل أن تكون على استعداد ، وأن يكون لديك عائلة قبل أن تكون مستعداً ، وأن تلزم نفسك في مهنة ما قبل أن تكون جاهزاً . ولذلك ، فإن كل القوى الاجتماعية قوة عائلتك وتشجيع أصدقائك – وفي كثير من الأحيان تقودك تماماً في الاتجاه الخطأ من حياتك . ولكن لا ينبغي إدانة عائلتك والأصدقاء ، لأنهم لا يعرفون . بل يجب عليك أنت أن تعرف . يجب عليك اكتساب هذه الروح . ولأن الله هو الذي يمنح تلك الروح ، بدونها ستصبح مجرد إنسان تائه في العالم. 

إن علاقتك مع عقلك ، وجسدك ، تُمثل النهج العظيم والتعاليم البالغة التي تنص عليها الرسالة الجديدة . فصحتك العقلية والجسدية بالغة الأهمية . ولكن من أجل التعامل معها على نحو فعال ، عليك أن تجلب نفس الموضوعية لهم . فأنت بطبيعة الحال ، تعرف نفسك بعقلك و بجسدك ، وحتى إلى الحد الذي تعتقد فيه بأن هذا هو أنت . لكن عقلك في الحقيقة هو ليس ما أنت عليه ، وجسدك ليس هو من أنت . لأنه بدلاً من ذلك ، يمثل مراكب للتعبير – مراكب تمكنك من خلالها من المشاركة في هذا العالم ، و ليكون لك تأثير في العالم ، وأن تعبّر عن نفسك وتتواصل مع الآخرين في هذا العالم .

 إنها مركبات لتأخذك إلى مكان ما ، لتأخذك ، من خلال حياتك في هذا العالم ، لتحيا في هذا الوقت ، ولتكون ذا تأثير على هذا الزمن . إنها مراكب . ولذا ، يجب عليك رعايتها جيداً ، والانتباه لصحتها . يجب الاعتناء بها تنميتها جيداً ، وعليها أن تكون قادرة لتمكينك من تحقيق مهمتك في هذا العالم . ولكن إذا ما انحدرت صحتك العقلية ، أو الجسدية نحو المرض ، فلن تكون قادراً على المتابعة أكثر لتحقيق الهدف الأعظم لوجودك في الحياة . وفي معظم الحالات ، سوف لن تعود لتظهر ، لأنك لست على استعداد لاتباعه .

إن وضع حياتك ضمن نظام ، بعدها ، سوف يستوجب أيضاً معالجة احتياجات صحتك العقلية والبدنية على حد سواء . فالعقل يتطلب بنية وهيكل ، كما يتطلب المتعة ، ويتطلب الصحبة ، ويتطلب الراحة . كما تستطيع أن تميز ذلك من خلال الأنشطة الخاصة بك ، ومن خلال التأثيرات التي تجلبها معك إلى منزلك ، ومن خلال وسائل الإعلام ، ومن خلال العلاقات ، ومن خلال الكتب التي تقرأ ، والأشياء التي تفكر فيها .

إن معظم الناس لم يقوموا بتطوير أي تحكم على عقولهم . ولذلك ، فقد أصبحوا ببساطة – ودونما قصد – مجرد عبيد ينفذون كل ما ترغب به عقولهم وحتى دونما تفكير ، بل ويشعرون بالعجز الشديد في هذا الصدد . ولكن أثناء التقييم العميق – والذي هو عملية بالغة الوضوح والموضوعية في حياتك – ستكون قادراً على السيطرة على عقلك والتحكم بتفكيرك ، وأفكارك أكثر فأكثر ، وذلك قبل اتخاذ أي قرار بشأن ما ستفكر فيه ، وما الذي ستستجيب له ، وما ستستمع إليه ، وما ستقرأ ، وما سيكون في منزلك ، وكيف سيكون تركيزك على نشاطاتك الخاصة بك ، وهكذا . . . يجب عليك الحصول على هذه السيطرة ، لأنه إذا لم تكن تتحكم بعقلك كما يجب ، فإن الآخرين سيحددون لك مسار واتجاه حياتك . وقد لا يكون ذلك المسار هو المسار الحقيقي في حياتك ، وهذا في واقع الأمر ، هو الوضع والظرف المأساوي لمعظم الناس في العالم اليوم ، سواء كانوا أغنياء أو فقراء على حد سواء .

 ومن الواضح عموماً أن أولئك الفقراء هم مجرد عبيد ظروفهم . ولكن من الواضح أيضاً أن أولئك الناس الأكثر ثراء ، وحتى فاحشي الثراء ، هم أيضاً عبيد لظروفهم ، رغم امتلاكهم للكثير من الوقت الحر ، ولوسائل المتع المتعددة والكبيرة ، ولكنهم في النهاية ، مجرد تائهين ، ومحرومين كأولئك الفقراء من حولهم . كما أنهم لن يستطيعوا أن يبلوا بلاء حسناً في مواجهة أمواج التغيير العظيمة القادمة إلى هذا العالم ، لأنهم ليس لديهم مزايا للمواجهة ، فثرواتهم يمكن أن تضيع بسهولة ، ويمكن أن تصبح هدفاً الأشخاص طامعين أخرين ينتظرون افتراس تلك الثروات والانقضاض عليها . ولذلك فهم سيظلون يعيشون في رعب شديد وقلق دائم ، خوفاً من أن يخسروا ما لديهم ، وما بين أيديهم ، لذا ، فإنهم يخافون من كل الناس ومن كل الأشياء التي يعتقدون بأنها قد تسلبهم ثرواتهم ، أو تُبعد عنهم الملذات ، والحرية ، أو الفرص المتاحة لهم .

 هذا هو الوقت المناسب ، بعد ذلك ، لإدراك ما هو المطلوب لأجل عقلك ، وما هو مطلوب لجسدك ، و بهذه البساطة لأنها أمور بسيطة . لا شيء معقد هنا ، فالأمر يتلخص فيما إذا كنت تتبع الروح ، لا شيء معقد هنا ، لأن لديك إرشادات بسيطة ، وما عليك سوى الالتزام بها ليس إلا . 

 بشكل عام ، و فيما يخص التقييم العميق ، سواء ذلك الذي يتعلق بممتلكاتك ، و علاقاتك ، و التزاماتك ، سيكون من المهم بالنسبة إليك خلق مساحة في حياتك لتدع الأمور تسير ، ولكي تفتح حياتك ، وأن تفتح أبواب حياتك من أجل السماح لأن يكون هناك مساحة فارغة في حياتك وغير مشغولة بأي شيء آخر .وأثناء قيامك بذلك ، سوف ترى كم كنت تحاول الحصول على اليقين من خلال امتلاكك للأشياء ، ومن خلال علاقاتك ، ومن خلال التزاماتك ، وغير ذلك . ولكن لربما ستشعر بقدر أقل من اليقين في حياتك ، وأنك الآن أكثر ضعفاً ، إلا أن هذا أمر مختلف لأنه سيخلق مساحة ستملؤها بالقوة الكبرى وبالحرية لتضعها في مسار جديد ، والذي سيجلب أشخاصاً جدداً و ظروفاً جديدة إلى حياتك. وإذا ما امتلأت حياتك بالفعل إلى قمتها ، فلا شيء جديد يمكن أن يأتي . ولن يكون هناك أي تجارب جديدة ، لا اكتشافات جديدة ، ولا علاقات جديدة ، كما ستنعدم الفرص الجديدة . 

لذلك ، فإن التقييم العميق في البداية هو عملية تميز ،  وتسريح . لأنك ستُميّز بين ما هو مهم حقاً ، وستفرج عما هو ليس مهماً بالنسبة إليك . فأنت تُغيّر علاقاتك مع الأشياء ، ومع الناس ، ومع الأماكن ، ومع الالتزامات . و فيما تقوم بذلك ، فإنك تتغيّر بشكل خفي ،ولكن على مستوى ذي قوة تتزايد وتكبر شيئاً فشيئاً ، وهذا ما سيقوّي علاقتك مع عقلك ، وجسدك على حد سواء . فهنا ، أنت تكتسب المزيد من القوة والتعلم لتصبح موجهاً داخلياً ، بدلاً من مجرد كونك موجهة من الخارج . 

كثير من الناس يسألون : ” حسناً ، ماذا عساي أن أفعل في وجه أمواج التغيير العظيمة ؟ ” . والجواب هو أنك يجب أن تبدأ مع هذا التقييم العميق . لأن هذا التقييم أمر أساسي . ولأنه إذا لم يتم القيام بهذا التقييم ، فلن تكون حراً لتعرف وتتعلم ، ولن تكون حراً كي تتصرف وتتفاعل ولن تكون حراً في التحرك مع الروح . وستبقى واقفاً في مكانك ، كما لو كنت مقيداً بالسلاسل إلى الجدار ، وغير قادر على الحركة ، وغير قادر على إعادة النظر في حياتك الخاصة ، وفي الحياة عموماً ، وغير قادر على تحديد اتجاه المسار الجديد . وسوف تصبح حياتك هامشية وبعيدة ، ثم ستسلّمها للأخرين في نهاية المطاف ، أو أنك ستضيع ببساطة في خضم الأفكار التي لا تُحصى ، والمساعي المتعددة التي تحملها معك في مسار حياتك . 

عليك أن تبدأ مع التقييم العميق ، وهذا التقييم سوف يستمر  ، أنه يستمر من أجل تحقيق الوضوح والبساطة ، والتركيز على حياتك المستمرة . ولا يتحتم عليك أن تقوم به دفعة واحدة لأنه موجود ، ومستمر . كل شيء من حولك يريد أن يرهقك ، ويُكبّلك ، بل ويُثقل كاهلك أكثر بالممتلكات ، وبالناس ، و بالأماكن ، و بالفرص ، و بالمشتتات ، و بالإثارة ، وهكذا دواليك . ولذلك ، يستمر التمييز ، في تنبيهك بأنك يجب الإبقاء على حياتك منفتحة ، وواضحة ، ومرتبة . كما يجب عليك أن تملأ حياتك بالناس ، و بالأماكن ، والأمور التي تعزز من قوتك ، وهذا يشجعك ، بل ويرمز إلى أنك تتمتع بالقوة والمسؤولية للعيش بشكل كامل في الوقت الحاضر ، والاستعداد للمستقبل بطريقة حكيمة وفعالة . 

وهنا ، يجب عليك أن تتعلم كيف ، ومتى تقول ” نعم ” أو ” لا ” في وجه أشياء كثيرة ، وأن تقول ” لا ” حين يلزم الأمر حتى لعقلك ، و لدوافعك الخاصة ، و لإدمانك ، ولتلك المتع التي تؤذي عقلك ، وجسدك ؛ و ” لا ” للأشخاص الذين يريدون منك أن تفعل ما يريدونه منك ؛ و ” لا ” للفرص التي تبدو جيدة ، ولكنها ليست كذلك في المستوى الأعمق ، ولا يمكن أن تقبل بها ، و ” لا ” لجمع الناس من حولك ؛ و ” لا ” لأنك لن تعمل بنصائحهم لك ، و ” لا ” لرفضك الانضمام إلى المجموعة ؛ و ” لا ” لأنك لن يقبل تصوّرهم للواقع . يمكنك القيام بذلك ، ولكن من دون غضب أو إدانة ، ومن دون خوف من ردة الفعل أو حتى الرفض ، ولكن بكثير من الصدق والوضوح ، والبساطة . 

لا تغضب لأن العالم مليء بالخداع ، والتضليل ، لأنه عالم من دون الروح . فالناس لم يعثروا بعد على هدية الله العظيمة ، وهكذا فهم يتصرفون بحماقة ، لأن تصرفاتهم إنما هي محاكاة لبعضهم البعض ، مُنقادين إلى الأعراف الاجتماعية التي يفرضها المجتمع عليهم ليتبعوها . فهم يتبعون أصدقاءهم ، وجماعاتهم ، وقادتهم ، ودياناتهم – وكل شيء آخر . ولأنهم من دون الروح ، فماذا يمكنهم أن يفعلوا غير اتباع كل ما هو بديل عن تلك المعرفة ؟

 ولذلك ، لا ينبغي أن يكون هذا مصدراً للغضب بالنسبة إليك إذا كنت ترى بوضوح . إنه لأمر مأساوي حقاً ، نعم ، إنه كذلك ، بل ومن المؤسف إلى حد كبير ، نعم ، فعلاً إنه كذلك . ولكنك لا تستطيع أن تكون ناقداً في العالم الآن .

و بدلاً من إدانة الآخرين ، و إدانة الحكومات العالم ، و الحياة ، يجب عليك أن ترسم مسارك الخاص ، و مصادرك المهمة لك أيضاً . لأن كل تلك الإدانات إنما تُمثل فقداناً ضخماً للطاقة ، والذي لن يضيف سوى المزيد من الاحتكاك والشكوى للحياة ومن دون أية فائدة إيجابية تُرجي . وهكذا ، فإذا لم تتحرك حياتك مع الروح ، فإن موقفك كناقد سيكون مجرد موقف عبثي ، بلا جدوى ، وستبقى في خط الدفاع عن النفس . وهذا هو جزء من الحفاظ على طاقتك . 

وفي نهاية المطاف ، فإن التقييم الكبير سيعيد إليك القوة ، و سيجعلك تتصل مع الروح ، و يحفظ طاقتك . ربما أنك لم تدرك حتى الآن قيمة الحفاظ على طاقتك ، لأنك كنت تريد أن تملأ كل لحظة من حياتك بالمتعة ، والإثارة ، وبالأنشطة ذات المغزى ، مع أناس ممتعين . تريد أن تملئ المساحة ، ولكن عليك أن تفتح مساحة وفضاء ، والإبقاء عليها فارغة احتياطاً لذلك ، لأنه في تلك المساحة فقط ، ستأتي الإنجازات الجديدة إليك ، وستصبح عند ذاك قادراً على رؤية الأشياء التي لم يكن بإمكانك أن تراها من قبل ، ومعرفة الأشياء التي لم يكن بإمكانك أن تعرفها من قبل ، و لتمييز الأشياء التي كانت بعيدة المنال من قبل وهكذا ، سيدخل أشخاص جدد إلى حياتك ، وكذلك فرص جديدة ، لأن الفضاء المناسب قد أصبح متاحاً بالنسبة إليهم . لذلك ، فإنه من الجوهري أن يكون ذلك الفضاء موجوداً في حياتك ، وكذلك هذا الانفتاح ، ولا ينبغي أبداً أن يمتلئ . فإذا لم يتم إملاؤه ، فإن الوقت قد حان لتسريح أمور من حياتك من جديد. 

 حتى لو كانت حياتك تعمل بشكل مناسب تماماً ، وحتى إذا كنت تعيش حياة الطريق إلى الروح ، وحتى لو كان لكل شخص في حياتك معنى بالنسبة إليك ، وكان مؤيد للروح التي بداخلك ، أو من أجلك ، فإنك ستبقى بحاجة إلى خلق هذا الفضاء المفتوح في حياتك ؛ حيث يكون خالياً من أي شيء إلا الفراغ إنه الفراغ الذي سيسمح لك بأن تكون ساكناً وتسمح لنفسك بالاستماع ، تسمح لنفسك بأن تبصر ، وتسمح لنفسك بأن تبحث ، ويسمح لك أن تكون حاضر مع شخص آخر ، و لتجرب المكان الذي أنت فيه و تتمتع بروعة الطبيعة . هذا هو الفضاء ، هذا الفراغ ، وهذا الصمت سيسمح لك لتميز علامات وإشارات العالم ، وحركة الروح داخل نفسك . 

فبدلاً من محاولة ملء ذلك الفراغ ، عليك أن تُنشئ الفضاء لذلك ، وأن تحتفظ بجزء من حياتك مفتوحاً ، وغير مفسر وغامض على حد سواء ؛ حيث لا شيء يحدث هناك ، وهذا ما سيسمح لك لتبقى مُعجباً بالحياة و مبجلاً لها ، وأن تحظى بتجربة صافية ونقية ، بدلاً من أن تُحفز تفكيرك ببساطة . إنه يخلق الفرصة لك لتمتحن نفسك خارج الزمان والمكان ، إنها تجربة النعمة ، تجربة المعلمين الغير مرئيين الذين يساعدونك لاستعادة الاتصال مع الروح ، لأنك حين تتصل بها ، سيتحقق الهدف الأعظم من وجودك في العالم .

 و يمكنك هنا أن تتخيل أنه إذا قمت باتباع ذلك ، فسوف يحتوي منزلك على أشياء قليلة جداً بداخله ، ولكن كل ما فيه مفيد جداً . كما أنه سيكون لديك عدد قليل جداً من الناس في حياتك الشخصية ، ولكن سيكون لكل شخص قيمته العالية والثمينة . بدلاً من محاولة ملئ فضائك الداخلي ، عليك أن تُبقي جزء من حياتك منفتحاً ، و غامضاً من دون تفسير . كما أن وقتك لن يضيع سدى ، أو يمتلئ بشكل غير صحيح ، ولكن سيكون فيه بعض الفسحات من أجل تجارب جديدة ، ولن يكون عقلك دائم التحفيز ، ولكن سوف يكون قادراً على التفكير بهدوء ، و قادراً على الملاحظة و حساساً في الرؤية ، والاستماع ، وإدراك الأشياء . 

إن ذلك يشبه وكأنك تسير في الاتجاه المعاكس لغالبية الناس من حولك ، والذين يريدون الحصول على كل الأشياء لأنفسهم – كممتلكاتهم ، والناس ، والتجارب ، والأحاسيس ، والمؤثرات – إلى الدرجة التي لن يكون لديهم أية فكرة عن أنفسهم . ذلك لأن حياتهم مليئة بالمؤثرات الخارجية . وليس لديهم شعور أين هم في الحياة ، وإلى أين هم ذاهبون ، أو إلى أين يسير العالم . ولذلك ، فهم – ببساطة – قد كنسوا أنفسهم بعيداً بهواجسهم تلك . 

يمكنك بعد ذلك أن تتخيل نتيجة لهذا التقييم العميق ، أن حياتك ستصبح بسيطة ، وواضحة ، وأنك ستصبح قادراً على تمييز الفرص في أكثر المستويات جوهرية – بغض النظر إذا كانت سارة أم مثيرة — ولكن إذا كانت حقاً ذات مغزي حقيقي ، وما إذا كانت تخدم هدفك ، أو إذا كانت تصرفك عنه . 

ستكون قادراً بالتأكيد على امتلاك متع بسيطة على طول الطريق ، ولكن أي شيء قد يتطلب المزيد من التدخلات الخطيرة – كإنشاء علاقة جديدة ، أو ملكية مهمة ، أو فرصة في عمل ، أو فائدة جديدة – فإن هذه الأمور يجب أن يُنظر إليها بعين التمييز ، لأن العالم كله يريد منك ملء نفسك ، في حين أنك في جوهر تفكيرك ، تحاول تفريغ نفسك . وهذا هو السبب في أنه يجب أن يكون التعرض لوسائل الإعلام محدوداً جداً . ولذلك ، قم فقط بالبحث عن الأشياء المهمة التي تتعلق بأمواج التغيير العظيمة ، أو التي تهم ظروفك و بيئتك بشكل.

لا ينبغي أن يستفزك العالم  ، ولذلك ، عليك أن تحافظ على مسافة معينة بينك وبين العالم إذا كنت تأمل حقاً في أن تكتسب قوتك ، وبناء تميزك ، و تنمى تحفظك ، و تتعلّم كيف تصبح ملاحظاً حقيقياً — تبدأ بشكل حقيقي بأن تبصر بماذا تحتاج بأن ترى في نفسك وفي الآخرين . لن يكون بمقدورك أن تفعل ذلك إذا كنت تجري حول نفسك كشخص مجنون – مُنقاداً باحتياجاتك ورغباتك ، والتزامك بالآخرين . ولهذا السبب يجب أن يحدث التقييم العميق في البداية إذا كنت تريد أي فرصة للنجاح في حياتك . كما أن هذا التقييم سيستمر ، لأنه يوجد هناك عتبات يجب عليك أن تتجاوزها. 

فثمة جزء من هذا التقييم سيتم بمساعدة أشخاص آخرين . ولذا ، فإن جودة ونوعية علاقاتك الآن سوف تصبح أكثر أهمية بالنسبة إليك ، بعد أن أدركت الآن بأن كل علاقة لديها تأثير كبير ، ونفوذ أكبر عليك ، سواء كان ذلك التأثير دعم ظهور الروح في داخلك أم أنه يصرفك عنها كي لا يسمح لها بالظهور ، وسواء كانت تشجعك كي تستعد لأمواج التغيير العظيمة ، أو إن كانت تُبعدك عنها كي لا تستعد لها . ولذلك ، فإنه سيكون لعلاقاتك هنا الأهمية الأكبر ، وهذه الأهمية سوف تنمو مع مرور الوقت .

 بينما أنت تمضي قدماً ، فإن حياتك سوف تحصل على المزيد من الموارد ، والطاقة . وسوف تكون قادراً على القيام بالتغيير الكبير – تغيير لم تكن تستطيع القيام به من قبل لأنك لم تكن لديك القوة الكافية لتفعل ذلك كما كنت تفتقر إلى الفعالية اللازمة داخل نفسك لإحداث ذلك التغيير .

كنت قبل ذلك ترى الأشياء التي كنت تعرف بأنك تحتاج للقيام بها ، ولكن لم يكن لديك القوة للقيام بها . لأنك لم تكن تستطيع تجاوز عقلك ، أو آراء الآخرين . لم تكن قوياً بشكل كاف للقيام بذلك . أما الآن ، فيمكنك أن تفعل ذلك ، وهذا ما سيجعل حياتك أكثر تدفقاً ، وأقوى حركة . 

هل يمكنك أن تتخيل بأن كل شيء في حياتك يُمثل الهدف الأكبر بالنسبة إليك في العالم ، و المعنى الأكبر لحياتك ، وأن هذا قد أعطاك ما يكفي من القوة لكي تستطيع التعامل مع الشدائد الآن ؟ ولن يهزمك شيء . كما أصبح بإمكانك التعامل مع الآخرين الذين لا يتفقون معك ، أو حتى توجيه الانتقادات لك من دون أن تفقد نفسك ، أو تنصاع إلى وجهات نظرهم .

 هذا هو مصدر التحقيق و السعادة في حياتك . وهو يبدو كما لو أنك قد خضعت لعملية استصلاح ؛ حيث أعدت استصلاح نفسك ، وقد سمحت لبعض الأشخاص الآخرين . الذين قدموا لك الدعم والنصيحة للقيام بذالك الاستصلاح . لأن يدخلوا في حياتك ، و يشاركوك حيّزاً منها . إن ذلك الاستصلاح في حقيقة الأمر ، هو في الأساس استصلاح من أجل الروح .

 لقد اكتسبت خلال طريقك المهارات التي يمكنك استخدامها الآن لكي تقدم المساعدة للآخرين ، لأنهم يجب أن يكونوا قد ابتدأوا التقييم العظيم أيضاً . كما يجب عليهم أيضاً أن يتعلموا كيف يحصلون على قواهم الخاصة بهم واستعادة حياتهم التي أهدروها من قبل ، ودون أدنى اعتبار أو تفكير بها . ولذا ، فإن الأدوات التي تكسبها ، والقوة التي تكسبها ، والمهارات التي توظفها سوف تصبح الموارد التي ستساعد الآخرين في المستقبل ، وسوف تقوم بفعل ذلك طبيعياً ، ومن تلقاء نفسك . وحتى حياتك ستكون برهاناً على ذلك ، والتي سوف تُلهم و تحير أشخاصاً آخرين .

تكمن الحقيقة في أنك لست في المكان الذي يجب أن تكون فيه في الحياة ، وأنت تعرف ذلك ، وهذا ما يفسر عدم شعورك بالراحة ، كما لا تبذل الجهد في محاولة للتخلص من عدم الراحة ، و الانزعاج ، ولكنها علامة واضحة من داخلك تشير إلى أنك يجب أن تتحرك ، وبأن ثمة تغييراً يجب القيام به ، وعليك أنت أن تفعل ذلك . ولهذا ، اسمح لنفسك أن تكون مع عدم الارتياح . اشعر بالانزعاج . وانظر إلى ما يقوله لك . أين هي نقاط الانزعاج وعدم الراحة ؟ وأين تكمن في حياتك التي تعيشها ؟ وما هي الأكاذيب التي كنت تكذب بها على نفسك و عن علاقتك مع هذا الشخص أو ذاك ، أو هذا الشيء أو ذاك المكان ؟ 

ومن أجل ذلك ، فلا بد لك من أن تتغلب على الأهواء داخل نفسك ، وعلى العادات الموجودة فيها ، وكذلك على غيرها من الأصوات التي تصدر عن العالم من حولك ، والتي وضعت في عقلك لتخبرك بأنك إنما تطلب أشياء لا تريدها في حقيقة الأمر ، أو أنك تريد الحصول على أشياء لتجعلك تبدو أكثر جاذبية وأكثر نجاحاً .

 إنها عملية كبيرة جداً ؛ حيث تظهر حقيقة أنك لست في المكان الذي يجب أن تكون فيه . ولذلك ، إياك أن تقنع نفسك بأنك في المكان الصحيح ، أو في المكان الذي تحتاجه أن تكون فيه ، لأن هذا سيكون مجرد حماقة . ولن تقنع الروح داخل نفسك .

فأمامك جبل عظيم لكي تتسلّقه ، ويتوجب عليك أن تتابع صعودك في تسلق هذا الجبل لكي تحقق مصيرك و لتكتسب الرؤية الحقيقية للعالم ، والتي سوف تصبح واضحة لك عندما تصل إلى ارتفاعات أعلى في هذا الجبل.

فمهما قلت لنفسك ، لا يمكنك إقناع الروح داخلك، ولذلك ، عليك أن تصل إلى المكان الذي ينبغي أن لك أن تكون فيه . أن تكون في الوضع الأفضل لك من أجل المستقبل – لاستعادة قوتك ، ومهاراتك ، والمواهب الكثيرة من أجل خدمة العالم الذي ستزداد احتياجاته وتنمو لتصبح أكثر عمقاً في المستقبل.  

Mathieu

Recent Posts

تعميق ممارستك الروحية

كما أوحي إلى رسول الرب مارشال ڤيان سمرز في الأول من نوفمبر من عام ٢٠٠٨…

3 سنوات ago

الخلوة الروحية

كما أوحي إلى رسول الرب مارشال ڤيان سمرز في التاسع من سبتمبر من عام ٢٠٠٩…

3 سنوات ago

فن الإبصار

كما أوحي إلى رسول الرب مارشال ڤيان سمرز في الحادي عشر من أبريل من عام…

3 سنوات ago

البهجة و الإمتنان

كما أوحي إلى رسول الرب مارشال ڤيان سمرز في الواحد و الثلاثون من يناير من…

3 سنوات ago

برج المراقبة

كما أوحي إلى رسول الرب مارشال ڤيان سمرز في السابع عشر من فبراير من عام…

3 سنوات ago

ماالذي سينقذ البشرية؟

كما أوحي إلى رسول الرب مارشال ڤيان سمرز في الثلاثون من مارس من عام ٢٠٠٨…

3 سنوات ago